أشرف غريب يكتب: في عيد ميلاد السندريللا - الآن نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

فى مثل هذا اليوم السادس والعشرين من يناير 1943 قبل اثنين وثمانين عاما، أنجبت السيدة جوهرة محمد حسن لزوجها محمد حسني البابا، فنان الخط العربي الأشهر في زمانه، طفلة صغيرة لم يكن أحد يتوقع لها أنّها التى سوف تلون بلونها سينما الستينيات وما بعدها لتصبح النجمة السينمائية الأكثر حضورا في تاريخ فن التمثيل العربي وحتى هذا اليوم، رغم مرور ما يقرب من ربع قرن على رحيلها المأساوي في يونيو عام 2001، إذ لم تكن نجومية سعاد حسني من النوع التقليدي، أو ما يمكن تسميته بالنجومية الهادئة.. إنها من الأسماء القليلة في تاريخ السينما العربية التي صنع الجمهور نجوميتها الطاغية من اللحظة الأولى التي أطلت فيها علينا فى مارس 1959 بطلة لفيلم «حسن ونعيمة» من إخراج هنري بركات، ووصل بها هذا الجمهور في الستينيات إلى أقصى درجات العشق والتفضيل التي يمكن أن يمنحهما جمهور لفنان، فمع نجاح فيلميها التاليين «إشاعة حب» أمام عمر الشريف، و«البنات والصيف» أمام عبدالحليم حافظ، أكبر نجمين في ذلك الزمان، والفيلمان من إخراج فطين عبدالوهاب، تأكد للجميع أنّ نجمة بمواصفات خاصة قد أظلنا زمانها، وهو ما برهنت عليه لاحقا تجربة سعاد حسني الممتدة عبر اثنين وثمانين فيلما وعشرات الشخصيات الإنسانية التي نقلتها إلى الشاشة.

فلماذا إذن كانت سعاد نجمة بمواصفات خاصة أهّلتها لتلك المكانة المتميزة؟

في أجواء فنية واجتماعية متعطشة للجديد بفعل المتغيرات التي أحدثتها ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 ظهر جيل كامل من الممثلات أخذ على عاتقه التعبير عن فتاة مجتمع ما بعد الثورة ضم، بحسب ترتيب الظهور على الشاشة منذ سنة 1957، كلا من زبيدة ثروت ولبنى عبدالعزيز وليلى طاهر ونادية لطفي وزيزي البدراوي ثم.. سعاد حسني، ورغم أنّ سعاد كانت الأخيرة زمنا والأصغر عمرا إلا أنها استطاعت أن تتقدم السباق بسرعة، ليس لأن الأخريات لم يواكبن ما كان باديا من تطور اجتماعي، وإنما لأن شيئا ما كان ينقص تلك العلاقة بين الجمهور وأي من هؤلاء الأخريات بعكس ما حدث مع سعاد ومن أفلامها الأولى، فزبيدة ثروت وزيزي البدراوي كانتا أقرب إلى النموذج الذي صنعه تيار الميلودراما التقليدي بقيادة فاتن حمامة منذ منتصف الأربعينيات، بينما تراجعت ليلى طاهر سريعا إلى الأدوار الثانية والمساعدة.

وفي الوقت نفسه لم يقترب الناس وجدانيا حتى لو اقتنعوا فكريا من النموذج الذي قدمته لبنى عبدالعزيز وخاصة في فيلمي «هذا هو الحب» و«أنا حرة» لصلاح أبوسيف عامي 1958 و1959، فضلا عن الحاجز النفسي التلقائي الذي خلقته ملامح لبنى عبدالعزيز غير المألوفة، وبقيت نادية لطفي الشقراء ذات الملامح غير المصرية بحاجة إلى مزيد من الأدوار كي تؤكد وجودها الفني، وهو ما تحقق لها لاحقا بعد مجموعة من التجارب السينمائية.

أما سعاد حسني فكانت شيئا مختلفا.. لم تستكن أو تستسلم مثل شخصيات زبيدة ثروت وزيزي البدراوي، ولم تتمرد أو تتفلسف مثل شخصيات لبنى عبدالعزيز.. كانت متطلعة ومنطلقة ولكن ببساطة ودون تكلف، لم تكن تبحث عن الحرية بمعناها التجريدي.. كانت تبحث عن الحياة بمفهومها البسيط، لم تكن تفتش عن ذاتها بقدر ما كانت تريد أن تشعر بوجودها، وهذا كله في توافق تام مع ملامح مصرية صميمة شكلا وروحا وقدرة عالية على التوظيف الدرامي لأدواتها كممثلة، سواء بالتلوين الصوتي أو الأداء الحركي أو التعبير بالوجه والعين.

لذلك لم يكن غريبا بعد هذا كله أن تلغى سعاد حسني تماما المسافة بينها وبين الجمهور، وتزيل الحائط الوهمي بين الشاشة وصالة العرض في حالة أظنها فريدة في تاريخ السينما العربية، ليس هذا فقط بل إنها استطاعت أن تلون عقد الستينيات وإلى منتصف السبعينيات بلونها، وأخذت معها حتى بنات جيلها فيما عُرف بتيار أفلام الشباب والمغامرات من نوعية: العزاب الثلاثة والأشقياء الثلاثة والمغامرون الثلاثة، وللرجال فقط، والثلاثة يحبونها، وحكاية ثلاث بنات وحلوة وشقية والزواج على الطريقة الحديثة، إلى آخر هذه القائمة الطويلة.

وحتى وهي تتحول في السبعينيات وما بعدها إلى التراجيديا والدراما العاطفية كانت بمواصفات خاصة بها ومختلفة عما كان سائدا في الخمسينيات، فضلا عن نجاحها الطاغي كأبرز من قدمت السينما الاستعراضية ومثالها البارز فيلم «خلّي بالك من زوزو» أكثر الأفلام جماهيرية ونجاحا في تاريخ السينما المصرية.

لقد استطاعت السندريللا أن تفرض كلمتها على السينما التي قدمتها، وطبعتها بطابعها الخاص جدا اختيارا وأداء، تمثيلا وغناء ورقصا، فلم تعد فقط العلامة الفارقة في تاريخ فن التمثيل السينمائي فحسب، وإنما أضافت إلى ذلك كله النجومية والشهرة والحظوة الجماهيرية التي لم تصل إليها دونها من الممثلات وربما حتى بين الرجال باستثناء عبدالحليم حافظ، ولا عجب أن تجمع الاثنين قصة حب ظلت فصولها غامضة رغم ما تكشّف من حقائق ومعلومات، وخاصة بعد رحيل العندليب الأسمر عام 1977 وتصريح سعاد حسني الشهير بأنّها تزوجته عرفيا لمدة ست سنوات كاملة، ثم حدث الانفصال على أثر رفض عبدالحليم الإعلان عن تلك الزيجة خشية أن تنفضّ المعجبات من حوله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق