أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية الذى يوافق 28 أبريل من كل عام، مشيراً إلى أن منظمة الأمم المتحدة تحتفي بأيام وأسابيع وسنوات وعقود دولية يُخصص كل منها لموضوع معين، بهدف رفع الوعي العالمي ودفع الفاعلين لاتخاذ خطوات عملية بشأن هذه القضايا، وتوفر هذه المناسبات فرصة لمجموعة واسعة من الجهات، سواء كانت منظمات وهيئات تابعة للأمم المتحدة، أو حكومات، أو منظمات مجتمع مدني، أو القطاع العام والقطاع الخاص، أو المدارس، أو الجامعات، أو المواطنين، لتنظيم أنشطة تسهم في التوعية بالقضايا المطروحة، مما يجعل من هذه الأيام نقطة انطلاق لحِراك مجتمعي وتفاعل دولي، مضيفاً أن "إحياء اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية"، يُعد مناسبة هامة لتسليط الضوء على حقوق العاملين في بيئة عمل آمنة وصحية، وتشجيع الجهود الرامية إلى الوقاية من الحوادث والإصابات والأمراض المهنية.
أوضح التحليل أن اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل يُعدّ من المبادرات الدولية التي أطلقتها منظمة العمل الدولية (ILO) منذ عام 2003 بهدف تسليط الضوء على أهمية تطوير منظومات وقائية فعالة للحد من الحوادث المهنية والأمراض المرتبطة بالعمل. ويستند هذا اليوم إلى تقليد أطلقه الاتحاد الدولي للنقابات منذ عام 1996، عُرف "بذكرى ضحايا الحوادث والأمراض المهنية"، ليشكل لاحقًا مناسبة عالمية لتعزيز الحوار المجتمعي وتفعيل السياسات الوطنية في مجال السلامة والصحة المهنية.
وقد أولت منظمة العمل الدولية اهتمامًا خاصًّا بنشر هذه الثقافة المؤسسية، حيث أصدرت في عام 2001 مبادئ توجيهية معيارية تُعد مرجعًا دوليًّا في تصميم وتنفيذ أنظمة السلامة والصحة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصناعات عالية المخاطر، كما ساهمت هذه المبادئ في دعم جهود الدول الأعضاء لإدماج السلامة والصحة المهنية في تشريعاتها الوطنية، وتطوير برامج تدريبية ومبادرات تطوعية وشهادات مطابقة.
وأشار التحليل إلى أن الاحتفال باليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل لعام 2025 يمثل فرصة لتجديد الالتزام العالمي نحو تحسين معايير السلامة المهنية، وبناء بيئات عمل تراعي صحة الإنسان وكرامته، وتساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف الثامن المتعلق بالعمل اللائق والنمو الاقتصادي.
وأضاف مركز المعلومات أن حملة هذا العام تركّز على تأثير التقنيات الحديثة في تغيير ملامح السلامة والصحة المهنية، بما في ذلك أتمتة المهام، واستخدام الأدوات الذكية ونظم المراقبة، وتقنيات الواقع الافتراضي، والإدارة الخوارزمية للعمل.
أوضح التحليل أن "اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل" مناسبة دولية بالغة الأهمية لتسليط الضوء على حقوق العاملين في بيئة عمل آمنة وصحية، ولتقييم التقدم المُحرز، والتحديات المستمرة في هذا المجال. فلا يُعد توفير بيئة عمل آمنة مجرد التزام قانوني أو أخلاقي، بل يُمثّل أيضًا شرطًا جوهريًّا لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل، وتعزيز فرص العمل المنتج واللائق للجميع.
ورغم ما تَحقق من تقدم ملحوظ في مجال السلامة والصحة المهنية عبر العقود الماضية، فإن الإحصاءات الدولية ما تزال تعكس واقعًا مقلقًا، فبحسب أحدث تقديرات منظمة العمل الدولية (ILO)، يُفارق الحياة ما يقرب من 2.93 مليون عامل حول العالم سنويًّا بسبب الحوادث والأمراض المرتبطة بالعمل، في حين يُصاب عالميا أكثر من 395 مليون عامل بإصابات غير مميتة في بيئة العمل، كما ورد في تقديرات عام 2023، وفي ذات الوقت، تُظهر تقديرات السلامة والصحة المهنية لعام 2024 أن أكثر من 2.41 مليار عامل حول العالم يتعرضون سنويًّا لمخاطر الحرارة الزائدة في مكان العمل، وهي ظاهرة آخذة في التفاقم نتيجة تغير المناخ، وتشير هذه الأرقام إلى زيادة تتجاوز تقديرات عام 2000، وهي زيادة تعود إلى عدة عوامل، منها توسّع القوة العاملة العالمية بنسبة 26% خلال الفترة 2000- 2019، فضلًا عن ارتفاع حالات التعرض للمخاطر المهنية.
كما تواجه قطاعات عديدة مخاطر تقليدية لم تختفِ بعد، أبرزها التعرض للعوامل البيولوجية والكيميائية والفيزيائية، واستخدام المعدات الخطرة، والأعمال البدنية الشاقة، وسوء تصميم بيئة العمل، وهو ما يؤدي إلى عواقب وخيمة تشمل الإصابات والوفيات والأمراض طويلة الأمد.
أشار التحليل إلى أن البيانات الموثوق بها حول الحوادث المهنية والأمراض المرتبطة بالعمل تُعد عنصرًا أساسيًّا لفهم أسباب هذه الظواهر، ورصد المخاطر الناشئة، وتحديد مجالات التدخل ذات الأولوية، بما يُعزز فاعلية السياسات والتدابير الوقائية المعتمدة في بيئات العمل. ومع ذلك، لا تزال عملية جمع بيانات دقيقة وشاملة تشكّل تحديًا على المستوى العالمي، وذلك نتيجة القصور الذي تعاني منه العديد من الدول في أنظمة التسجيل والإبلاغ، سواء من حيث التغطية أو الكفاءة.
وتُظهر التقديرات أن الغالبية العظمى من الوفيات المرتبطة بالعمل -نحو 2.6 مليون حالة- نجمت عن أمراض مهنية، بينما أسفرت حوادث العمل المباشرة عن حوالي 330 ألف حالة وفاة، وتشير البيانات إلى أن أكثر الأمراض تسببًا في هذه الوفيات، هي: أمراض الدورة الدموية، والأورام الخبيثة، وأمراض الجهاز التنفسي، إذ تمثل هذه الفئات مجتمعة ما يقارب ثلاثة أرباع إجمالي الوفيات المهنية، مما يُبرز أهمية التركيز على الجوانب الوقائية والصحية في إدارة بيئات العمل.
أوضح المركز أن بيانات منظمة العمل الدولية تشير إلى أن إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن إصابات العمل في أكبر عشرة قطاعات اقتصادية بلغ 5105 حالات وفاة، وهو ما يمثل نحو 91.35% من إجمالي وفيات العمل المسجلة، والبالغة 5588 حالة؛ إذ تعكس هذه النسبة المرتفعة حجم الخطر الذي تتعرض له القوى العاملة في هذه القطاعات الحيوية، التي تُعد المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي. وتبرز هذه الأرقام التركز الكبير للوفيات في قطاعات التشييد والبناء بنسبة (24.2%)، والصناعة التحويلية بنسبة (20.7%)، والنقل والتخزين (15.1%)، وهي أنشطة تتسم غالبًا ببيئات عمل معقدة، وظروف تشغيل صعبة، ومستوى عالٍ من التعرض للمخاطر.
وفي المقابل، ورغم أن بعض القطاعات الأخرى تسجل نسبًا أقل من حيث عدد الوفيات، مثل إمدادات المياه والكهرباء، والأنشطة الإدارية، فإنها تظل بحاجة إلى مراجعة مستمرة لإجراءات السلامة والرقابة المهنية، لا سيما في ظل التغيرات التكنولوجية والبيئية المتسارعة. ويعزز هذا التحليل أهمية تبني نهج شامل لإدارة السلامة والصحة المهنية، يقوم على تصنيف المخاطر بحسب النشاط الاقتصادي، وتوجيه التدخلات الوقائية إلى حيث تتركز الوفيات والإصابات، مع إعطاء أولوية للقطاعات التي تُسجل النسبة الكبرى من الحوادث الفتاكة، بما يساهم في تقليل التكاليف البشرية والاقتصادية المرتبطة بالحوادث المهنية، ويدعم مستهدفات التنمية المستدامة وسوق العمل الآمن.
أوضح التحليل أن البيانات تشير إلى أن أعلى عشرة أنشطة اقتصادية من حيث عدد حالات الإصابة المهنية غير المميتة تُمثل ما مجموعه 1,6 مليون حالة، أي نحو 87.83% من إجمالي الإصابات المسجلة البالغة 1,86 مليون حالة، مما يعكس تركزًا واضحًا لهذه الإصابات في قطاعات بعينها ترتبط بطبيعة العمل البدني والمهني عالي المخاطر. ويأتي قطاع الصناعة التحويلية في الصدارة بعدد إصابات بلغ 526.2 ألف حالة، بما يعادل حوالي 28.3% من إجمالي الإصابات، يليه قطاع التشييد بنسبة 11.6%، ثم تجارة الجملة والتجزئة وصيانة المركبات بنسبة 9.4%، وهي أنشطة تتسم غالبًا ببيئات عمل مزدحمة ومليئة بالمخاطر التشغيلية والفنية، وتفتقر أحيانًا إلى أنظمة فعّالة للسلامة المهنية.
أضاف التحليل أن باقي الإصابات تتوزع على قطاعات أخرى، منها: النقل والتخزين، والخدمات الإدارية، والإقامة والطعام، والتي تتراوح نسبها من 6% إلى 7.5%، وتشير إلى اتساع رقعة المخاطر المهنية لتشمل أنشطة خدمية وليست فقط إنتاجية أو إنشائية. كما تظهر الأنشطة الصحية والإدارية والزراعية بنسب تراوحت بين 4.9% و5.7%، مما يعكس تأثير الإجهاد البدني والتعرض المباشر لمخاطر بيئية أو بيولوجية أو كيميائية في بيئات هذه القطاعات. وتُظهر هذه الأرقام الحاجة إلى تعزيز تدابير الوقاية والسلامة المهنية، وخاصة في القطاعات ذات الخطورة العالية، من خلال تبني سياسات متقدمة للتدريب، وتحديث بيئة العمل، وتعزيز ثقافة السلامة والصحة في جميع الأنشطة الاقتصادية.
أشار التحليل إلى أن التقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية تُظهر أن التعرض لعوامل الخطر في بيئة العمل يشكل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة عالميا، حيث تَصدَّر التعرض لساعات العمل الطويلة قائمة العوامل المسببة للوفاة عالميا، حيث تسبب في وفاة حوالي 744.9 ألف حالة، ويليه في الخطورة التعرض للجسيمات الدقيقة والغازات والأبخرة، والذي أودى بحياة أكثر من 450 ألف حالة، بينما جاءت إصابات العمل في المرتبة الثالثة بعدد وفيات تجاوز 363 ألف حالة. وبذلك تعكس هذه الأرقام الحاجة المُلحّة لتعزيز أنظمة السلامة والصحة المهنية في بيئات العمل، وتطبيق تدابير تنظيمية صارمة تحد من التعرض لمثل هذه المخاطر.
أشار التحليل في ختامه إلى ما أوصت به منظمة العمل الدولية، في استراتيجيتها العالمية الجديدة للسلامة والصحة المهنية للفترة 2024- 2030، بضرورة تطوير الأطر الوطنية للسلامة والصحة المهنية، من خلال بناء نظم وطنية فعالة تشمل الحوكمة، وتحسين جمع البيانات، وتعزيز كفاءة خدمات السلامة المهنية. كما تدعو إلى تعزيز التنسيق والشراكات والاستثمارات في مجال السلامة والصحة المهنية، عبر إدماجها في السياسات الوطنية وتأمين تمويل مستدام لها. وتشدد على تعزيز نظم إدارة السلامة والصحة المهنية داخل أماكن العمل، مع التركيز على تطبيق إرشادات السلامة والصحة المهنية الصادر عن منظمة العمل الدولية ILO-OSH 2001 وتطوير أدلة إرشادية تستجيب لطبيعة كل قطاع ومخاطره. وفي إطار تنفيذ هذه الإرشادات، تتبنى المنظمة خطة عمل شاملة للفترة 2024- 2030، تشمل تحديث المعايير الدولية، وتطوير المعرفة والبيانات، وتنفيذ حملات توعوية، وتقديم دعم فني للدول، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، وتولي الاستراتيجية اهتمامًا خاصًّا بـتعزيز البحث وتطوير المعرفة من خلال إنشاء منصة معرفية عالمية، وشبكة للخبراء، وإصدار تقارير دورية لتحليل الاتجاهات والتحديات في مجال السلامة المهنية. كما تؤكد على ضرورة تحسين شروط العمل في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والاقتصاد غير الرسمي، والإدارة العامة، وتدعو إلى تعزيز الحوكمة الثلاثية والمشاركة المجتمعية في وضع سياسات السلامة المهنية عبر بناء قدرات الحكومات وأصحاب العمل والعمال.
0 تعليق