عاد التوتر ليسود المشهد من جديد في السودان الشقيق، بعد أن تمكن الجيش الوطني السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، من تحقيق انتصارات موسعة خلال الفترة الماضية، ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
وشنّت قوات “الدعم السريع”، الأحد الماضي، هجومًا بطائرات مسيّرة طال قاعدة عثمان دقنة الجوية قرب مطار بورتسودان الدولي ومستودع بضائع، مما دعا القيادة السودانية إلى وقف الرحلات الجوية مؤقتًا قبل أن تُستأنف لاحقًا.
كما أعلنت وزارة الطاقة والنفط السودانية، الإثنين، اشتعال النيران بمستودعات النفط الاستراتيجية بمدينة بورتسودان إثر تعرضها لهجوم آخر بطائرة مسيرة، قالت إنها تابعة لـ"قوات الدعم السريع".
فيما أدانت أوساط سودانية وعربية وأممية الهجوم، مستنكرة قيام مليشيا الدعم السريع باستهداف البنية التحتية المدنية في بورتسودان.
هجمات الدعم السريع
وقال اللواء الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي السابق لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن "استخدام المسيرات لضرب المرافق المدنية هو استمرار لصفة الجبن الذي ظل ملازما لمليشيا الدعم السريع ومسانديها ولن يوقف المسير نحو عمق العدو في مدينة نيالا وكل مواقع وجوده" - حسب "الجزيرة نت".
من جانبها، دعت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها، طرفي الصراع إلى وقف الأعمال العدائية وتكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية إلى حل الأزمة.
وجاء في البيان: "تعرب موسكو عن قلقها العميق إزاء المواجهات المسلحة الدموية المستمرة بين الجيش النظامي ووحدات من قوة الدعم السريع في جمهورية السودان منذ أبريل 2023".
وأضاف البيان، أن روسيا تعتبر الضربات على منشآت البنية التحتية المدنية أمرا غير مقبول. وأكدت الوزارة أن الجانب الروسي يدعو إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي.
وأشار عدد من المحللين والمتابعين للشأن السوداني إلى أن روسيا، رغم سعيها لدفع الأطراف المتصارعة نحو الحل السلمي، تواجه سياسات معاكسة من قبل المحور الغربي، الذي يواصل تأجيج الصراع عبر دعم قوات "الدعم السريع" ليس فقط بالأسلحة، بل أيضًا بالعناصر البشرية.
وأكد المحللون، أن تدفق المرتزقة الكولومبيين والأوكرانيين إلى ساحات القتال ما زال مستمرًا، مشيرين إلى أن عمليات نقلهم تتم عبر دول عدة، مما يعمق تعقيد الأزمة ويطيل أمدها.
وأضافوا أن روسيا هي الدولة المحورية الوحيدة التي تصف الأمور على هيئتها الحقيقية، وهي الجهة الوحيدة التي لم تساو بين القوات النظامية "الجيش السوداني" والقوات المتمردة "الدعم السريع"، بل ودافعت عن موقف الحكومة السودانية في المحافل الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي.
ومع استمرار الحرب في السودان يزداد الغموض، الذي يلف عدد المرتزقة الناشطين في البلاد، إذ سبق أن كشف النائب العام السوداني الفاتح محمد عيسى طيفور، عن بلوغ عدد هؤلاء 200 ألف لكن القيادي بالجيش أفاد بوجود نحو 180 ألفاً.
وتزيد الاضطرابات التي تعرفها دول المنطقة على غرار تشاد وليبيا والنيجر من تعقيد معضلة المرتزقة الذين توافدوا على السودان للقتال بحسب اندبندت عربية، "اندبندنت عربية".
وقال وزير الداخلية السوداني السابق، بشارة جمعة أرور، إن "معظم جنسيات قوات المرتزقة التي تقاتل في السودان هي من دول الجوار وبعضها من دول عربية وأجنبية تعاني صراعات أو حروباً، مما جعلهم يفتقرون إلى العمل والتوظيف وهناك بعض الخبرات العسكرية القديمة يجري استجلابها لأغراض التدريب والتأهيل أو إدارة العمليات اللوجيستية".
ويتبادل طرفا الصراع في السودان منذ اندلاع الحرب قبل عامين، الاتهامات بشأن استجلاب المرتزقة من الخارج وسط دعوات أممية ومحلية للإسراع بسحب هؤلاء، خصوصاً أن وجودهم زاد من تأجيج الصراع.
وقدر مصدر قيادي مطلع من الجيش السوداني - بحسب “اندبندنت عربية” - عدد المرتزقة في السودان بنحو 180 ألف.
وقال في حديثه إلى "المطبوعة"، إن "الجيش اعتقل بالفعل مرتزقة من دول تشاد واليمن وكولومبيا وجنوب السودان وجنسيات أخرى، لكن ما زال كثير منهم ينشط في البلاد".
وأوضح المصدر وهو قيادي ميداني، بأن "ما توصل إليه الجيش السوداني هو أن عمليات تعبئة المرتزقة تتم عبر شركة ’بلاك شيلد‘ للخدمات الأمنية، وهذه الشركة جندت نحو مئات من السودانيين أيضاً تحت غطاء ادعاءات مخادعة من خلال شركتين تتعامل معهما في السودان إحداهما تحمل اسم مكتب ’الأميرة للتوظيف الخارجي‘ والأخرى اسم مكتب ’أماندا‘، وتلقى أولئك الأفراد تدريباً عسكرياً خارج البلاد".
ومن جانبه استهدفت طائرات بدون طيار أكبر قاعدة بحرية في السودان، في إطار الضربات الجوية المتواصلة لليوم الرابع على التوالي على بورتوسودان (شرقي البلاد)، حيث يقع المقر المؤقت للحكومة التي تخوض حربًا ضد القوات شبه العسكرية، وفقًا لمصدر عسكري.
وفي تصريحات لوكالة "فرانس برس"، قال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظرًا لأنه غير مخول له بالتحدث إلى الصحافة، إن صواريخ مضادة للمسيرات اعترضت هذه الطائرات.
ونقلت صحيفة "لوطون" الفرنسية في موقعها على الإنترنت عن مراسل فرانس برس، قوله إنه سمع دوي انفجارات متتالية في اتجاه الميناء لمدة نصف ساعة تقريبًا فجر اليوم.
وباتت مدينة بورتسودان، التي تمر من خلالها المساعدات الإنسانية وتضم وكالات الأمم المتحدة وآلاف اللاجئين، وكانت بمنأى عن الصراع لفترة طويلة، أكثر عرضة لهجمات بطائرات بدون طيار منذ الأحد الماضي.
وأسفر النزاع الحالي في السودان عن مقتل آلاف الأشخاص، ونزوح 13 مليون آخرين، مخلفًا "أسوأ أزمة إنسانية" في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
0 تعليق