في أحدث فصول التوتر المتصاعد بين الجزائر وفرنسا، أعلنت باريس اليوم الأربعاء على لسان وزير خارجيتها جان-نويل بارو، أنها قررت طرد عدد من الدبلوماسيين الجزائريين، في خطوة وصفها بأنها "رد فوري وحازم ومتناسب" على قرار مماثل اتخذته الجزائر مؤخراً.
وفي تصريحات أدلى بها بارو لقناة "بي إف إم تي في" الفرنسية، قال الوزير: "استدعينا القائم بالأعمال الجزائري في باريس للتنديد بقرار الجزائر غير المبرر بطرد دبلوماسيينا، وأبلغناه أن فرنسا سترد بالمثل، حيث سيتم ترحيل حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الذين لا يملكون تأشيرات حالياً إلى الجزائر".
جذور الأزمة
الأزمة انفجرت علنًا بعدما استدعت وزارة الخارجية الجزائرية، يوم الأحد الماضي، القائم بأعمال السفارة الفرنسية في الجزائر، وسلمته مذكرة تطالب فيها بترحيل فوري لـ15 دبلوماسيا فرنسيا. وأوضحت الجزائر أن هؤلاء الموظفين تم تعيينهم بشكل مخالف للأعراف والبروتوكولات المعمول بها في التمثيل الدبلوماسي.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية (واج)، فإن "المصالح المختصة رصدت مؤخرًا تعيين 15 موظفًا فرنسيًا مباشرة لمهام دبلوماسية وقنصلية فوق التراب الجزائري، دون أن يتم تقديم إبلاغ رسمي مسبق أو طلب اعتماد كما تنص عليه الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)".
وأشارت الجزائر إلى أن هؤلاء الموظفين كانوا يحملون سابقًا جوازات سفر "لمهمة"، قبل أن تُمنح لهم جوازات دبلوماسية، وهو ما اعتبرته محاولة التفاف لتسهيل دخولهم وتجاوز السلطة الجزائرية في منح الاعتماد.
تراكمات سابقة
ولم تكن هذه الخطوة الأولى من نوعها خلال الأشهر الأخيرة، إذ سبق أن أعلنت الجزائر في أبريل الماضي اعتبار 12 دبلوماسيا فرنسيا أشخاصا غير مرغوب فيهم، رداً على تصريحات مثيرة للجدل لوزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، اتهمته الجزائر حينها بالسعي لإهانتها.
ورداً على هذا الإجراء، بادرت باريس بخطوة مقابلة، واعتبرت 12 موظفاً في السفارة الجزائرية وقنصلياتها في فرنسا أشخاصاً غير مرغوب فيهم، واستدعت في الوقت ذاته سفيرها لدى الجزائر للتشاور، ما عكس دخول العلاقات الثنائية في مسار تصعيدي غير مسبوق منذ سنوات.
تأتي هذه التطورات في سياق أوسع من التوتر المتصاعد بين البلدين، على خلفية ملفات شائكة تتراوح بين الذاكرة التاريخية (الاستعمار الفرنسي للجزائر)، والتعاون الأمني، وسياسات الهجرة، بالإضافة إلى التباين في الرؤى حول أزمات الساحل الإفريقي وليبيا.
ورغم المحاولات المتكررة منذ عام 2022 لإعادة ضبط العلاقات عبر زيارات متبادلة لمسؤولين كبار، أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن حالة من فقدان الثقة لا تزال تهيمن على الطرفين، وتُترجم ميدانيًا بتوترات دورية على مستوى التمثيل الدبلوماسي.
يرى محللون في باريس أن استمرار هذا النهج التصعيدي من الطرفين قد يُفضي إلى تدهور خطير في العلاقات الثنائية، خاصة إذا تزايدت عمليات الطرد المتبادل وجرى تقليص التمثيل الدبلوماسي، مما سيؤثر مباشرة على ملفات اقتصادية وتجارية كبرى، وعلى الجالية الجزائرية في فرنسا، والجالية الفرنسية في الجزائر.
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأيام المقبلة، تبقى الأزمة الحالية واحدة من أبرز الأزمات الدبلوماسية بين البلدين منذ قطع العلاقات عام 1995 إثر قضية أمنية، وهو ما يضع تحدياً كبيراً أمام مساعي التهدئة والحوار المستقبلي.
0 تعليق