زينات علوي.. راقصة الهوانم وصديقة النخبة الثقافية ـ موقع الآن نيوز

صدى البلد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ذاكرة الزمن الفني الذهبي، تُضيء أسماء كثيرة، لكن بعض الأسماء لا تكتفي بالتألق على خشبة المسرح أو في لقطات السينما، بل تمتد لتلامس روح الثقافة والفكر، واحدة من هؤلاء كانت الراقصة زينات علوي، التي تحل اليوم ذكرى ميلادها، فهي لم تكن مجرد راقصة شرقية بارعة، بل ظاهرة فنية وإنسانية نادرة، استطاعت أن تحتل مكانة خاصة في قلوب المثقفين والكُتّاب الكبار، في زمن كانت فيه الفجوة شاسعة بين فن الرقص وعالم النخبة.

بداية من قلب الجراح

وُلدت زينات علوي في 19 مايو 1930 بمدينة الإسكندرية، عاشت طفولة مضطربة، بسبب قسوة والدها، مما دفعها إلى الهروب وهي في السادسة عشرة من عمرها إلى القاهرة، حيث احتضنها شارع عماد الدين، أشهر شارع للفنون وقتها، بدأت العمل راقصة في الملاهي الليلية، وسرعان ما جذب أسلوبها الأنظار لما امتاز به من احتشام ورقي، بعيدًا عن الابتذال، مما منحها لقب "راقصة الهوانم".

زينات لم تكن فقط صاحبة جسد مرن وحضور ساحر، بل كانت امرأة ذكية، تقرأ الصحف، تتابع الفن والأدب، وتناقش زبائن الكباريهات المثقفين بندية واحترام، وهو ما فتح لها أبواب النخبة.

الراقصة التي أحبها الكُتاب

لم تكن زينات علوي راقصة كباقي الراقصات في زمانها، كانت تجلس مع الكُتّاب والصحفيين والفنانين لا كموضوع للحديث، بل كمشاركة في الحوار، وصفها أنيس منصور بأنها "راقصة لها عقل"، وكان يعتبرها نموذجًا للمرأة التي تفهم ما تقول، وتعي ما تسمع، وتملك من الجرأة ما يندر وجوده.

وكان الشاعر كامل الشناوي أحد المقربين منها، وقد ورد أنها وقفت بجانبه في أوقات ضيقه، وساعدته ماليًا دون أن تنتظر ردًا أو شهرة، هذه العلاقات لم تكن مبنية على مصالح، بل على احترام متبادل نادر، جعل منها شخصية تحظى بثقة وود عمالقة ذلك العصر.

كما تحدث  أنيس منصور عن موقف زينات علوى النبيل مع عدد من الصحفيين والكتاب الذين تم فصلهم فى الستينيات، قائلاً :" رأيتها تزور الشاعر كامل الشناوى، فلما وجدته نائما ظلت جالسة حتى نهض من فراشه، وكان يسهر الليل وينام النهار، وهددت بأن تلقى بنفسها من النافذة إن لم يأخذ منها مبلغا من المال، وكان بضعة آلاف، واعتذر كامل الشناوى وفوجئنا بأنها فعلا تريد أن ترمى نفسها من الشباك، وبعد وفاتها، الله يرحمها، جاءتنى إحدى قريباتها ومعها خطاب وفى الخطاب فلوس مساعدة منها لفنانة "غلبانة" لا يعرفها أحد".

وكانت صديقة للكاتب محمود السعدني، الذي روى عنها أنها كانت فنانة تكره الابتذال، وتعرف حدودها جيدًا، وتفخر بأنها لم تكن أبدًا "راقصة صالات"، بل فنانة على المسرح والسينما تحترم مهنتها ونفسها.

الرقص بأسلوب روحي

قدّمت زينات علوي عشرات الرقصات في الأفلام دون أن تنطق بكلمة، لكن حضورها كان كافيًا لرسم شخصية متفردة، لم تعتمد على الإثارة الرخيصة، بل أدخلت الحركات الشعبية مثل التحطيب، وجعلت من الرقص حالة شعورية، تأثرت بأسلوب سامية جمال، لكنها كانت أقرب إلى جمهور الطبقة الراقية، وأغلب أفلامها كانت مع كبار النجوم مثل رشدي أباظة، إسماعيل ياسين، شكري سرحان.

من أبرز أعمالها: فيلم الزوجة 13، إسماعيل يس في الأسطول، شارع الحب، قصر الشوق (ظهرت فيه برقصة قصيرة ضمن الثلاثية الشهيرة لنجيب محفوظ).

الاعتزال والصمت الأخير

في أوائل السبعينيات، اعتزلت زينات علوي الفن بهدوء، بعد زواجها من الصحفي محب مانع، رفضت العودة رغم العروض، واختارت العزلة، في سنواتها الأخيرة، ابتعد عنها الجميع، وعاشت وحيدة في شقتها، إلى أن وُجدت ميتة فيها يوم 5 يناير 1988، بعد وفاتها بثلاثة أيام، في مشهد مأساوي يليق فقط بامرأة عاشت كريمة، وماتت في صمت.

بين الفن والفكر

إن سيرة زينات علوي تكشف لنا عن فنانة جمعت بين الأداء الجسدي العميق والوعي الثقافي الحقيقي، امرأة لم يكن جسدها هو الأداة الوحيدة، بل كانت روحها ولسانها ومواقفها أدوات أقوى، عرفها الكُتاب لا كراقصة بل كصديقة عزيزة، تعرف قدر الكلمة وقيمة الفكر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق