استرعى انتباهى فى الفترة الأخيرة بعض الأصوات التى ارتفعت، بعد سقوط نظام بشار فى دمشق، حيث حرصت هذه الأصوات على ترديد عبارة: «ارفعوا أيديكم عن سوريا، ودعوا النظام الجديد- نظام الجولانى- يأخذ فرصته كاملة، ودعوا أمر سوريا للسوريين، وليس من حق المصريين الحديث فى الشأن السورى»!
فى الحقيقة لم أستطع تقبُّل أو حتى تفَهُّم وجهة نظر هؤلاء. بالقطع أمر سوريا للسوريين، ولكن ما يحدث فى سوريا هو أيضًا شأن عربى، وبالدرجة الأولى يهم مصر والمصريين، وفى رأيى أن مقولة «دعوا أمر سوريا للسوريين» هى كلمة حق يراد بها باطل، فأمر سوريا والمتغيرات الأخيرة ليست بالضرورة صُنعت بأيادٍ سورية.
الأمر الأكثر أهمية العلاقة بين مصر وسوريا، وأُفَضِّل هنا استخدام مصطلح «بلاد الشام»، لأن سوريا تاريخيًا تعنى بلاد الشام، أما سوريا الحالية فهى نتاج سايكس- بيكو، والتقسيم الاستعمارى بعد الحرب العالمية الأولى. على أى حال ما يحدث فى سوريا «الكبرى» على مر التاريخ هو شأن مصرى بامتياز.
ويحدثنا التاريخ، ومنذ مصر القديمة «الفرعونية»، أن أمن مصر يبدأ من بلاد الشام، ولنا فى ذلك وقائع كثيرة مع رمسيس الثانى وتحتمس الثالث، هذا فضلًا عن التبادل التجارى والثقافى بين مصر وساحل بلاد الشام. وحكمة التاريخ تقول إن هناك صراعًا دائمًا للسيطرة على سوريا الكبرى بين مَن يحكم هضبة بلاد فارس «إيران الحالية تقريبًا»، وبين مَن يحكم هضبة آسيا الصغرى «تركيا الحالية»، وأن من يفصل فى هذا النزاع هو مصر، وطالما كانت مصر قوية، كانت سوريا الكبرى فى أمان.
هل أحدثكم عن صلاح الدين الأيوبى، وأن أولى خطواته نحو تحرير بيت المقدس من أيدى الغزاة الصليبيين كانت بتأمين سوريا أولًا، وكانت قاعدة انطلاقه الأساسية هى مصر؟
هل نتذكر عصر محمد على، والبطل الفاتح إبراهيم باشا، وضمه بلاد الشام «سوريا الكبرى» إلى مصر، لأن تأمين مصر يبدأ من هناك؟
هل نسينا رواق الشوام فى الجامع الأزهر، والعلماء والطلاب الشوام فى الأزهر، والرحلات الشامية وأشهرها رحلة الشيخ عبدالغنى النابلسى من دمشق الشام إلى مصر والأزهر؟
هل نتذكر أزمة جبل الدروز فى سوريا زمن سلطان باشا الأطرش، ولجوء أسرته إلى مصر، ونبوغ فريد الأطرش والرائعة أسمهان، وكيف أصبحت مصر هى بلدهما الثانى؟
هل نسينا مقولة جمال عبدالناصر بعد عودته من حرب فلسطين ١٩٤٨: «لقد اكتشفنا أن رفح ليست آخر الحدود المصرية»؟ ولنتذكر عام ١٩٥٨ عندما ساءت الأحوال الداخلية فى سوريا، وزادت التهديدات الإسرائيلية للحدود السورية، عندها جاء السوريون إلى مصر طلبًا للوحدة معها، للحفاظ على سوريا. لا أنسى ما حييت أننى من الجيل الذى درس مقررات الوحدة المصرية السورية، فى منهج القراءة والتاريخ والجغرافيا، رغم انهيار الوحدة فى عام ١٩٦١.
هل نسينا حرب ١٩٧٣، عندما اشتد الخناق على الجبهة السورية، وحاول الجيش الإسرائيلى التقدم، اضطر الجيش المصرى للدفع بفرقة مدرعة على جبهة سيناء، رغم عدم وجود غطاء جوى لها، فى محاولة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وحدثت خسائر فى الجيش المصرى، لكنها كانت من أجل سوريا والسوريين.
هل بعد كل ذلك نقول لا شأن لمصر والمصريين بسوريا؟! أين حُمرة الخجل؟!
0 تعليق