وأوضحوا في حديثهم لـ "اليوم" أن سوق المؤثرين تجاوز عالميًا 21 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يستمر في النمو، بفضل الشعبية المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي واعتماد الشركات على أساليب التسويق الحديثة.
أخبار متعلقة
ومع ذلك، لا يزال من الصعب تحديد الحجم الفعلي لهذا السوق، بسبب غياب الشفافية، إذ لا يعلن معظم المؤثرين قيمة العقود أو العوائد التي يحصلون عليها، كما أن البعض يبالغ في أعداد المتابعين أو نسب التفاعل، ما يُصعّب على الشركات والمهتمين تقدير العائد الحقيقي من التعاون معهم.
تعاون بشكل غير رسمي
وأشار إلى أن تقييم دخل المؤثر لا يعتمد فقط على عدد المتابعين، بل على مدى تأثيره في قرارات الشراء، وارتباط اسمه بقيمة العلامة التجارية، فبعضهم يحقق مبيعات ضخمة لحملات إعلانية، والبعض الآخر يحقق انتشارًا دون أثر حقيقي على العوائد.
وأوضح أن وجود متابعين وهميين أو محتوى غير مستدام يقلل من القيمة الاقتصادية الفعلية رغم ضخامة الدخل المعلن، مشددًا على ضرورة التفرقة بين "الشهرة الرقمية" و"القيمة الاقتصادية"، وتبني معايير تقييم أكثر دقة تعكس الأثر الفعلي للمؤثرين في السوق.

تضخيم مداخيل المؤثرين

د. فيصل النوري - اليوم
ولفت إلى أن هذه الممارسات تؤدي إلى أثر سلبي على توازن السوق، مؤكدًا أهمية الاستفادة من التجارب العالمية، وعلى رأسها الفقاعات السعرية التي حدثت في بداية الألفية في السوق الأمريكي.
ودعا إلى الاعتماد على أدوات تسعير الأسهم وتحليلها المالي، بدلًا من اتخاذ القرارات الاستثمارية بناءً على إعلانات المشاهير فقط.
وأوضح أن التحليل الأساسي يشمل دراسة القطاع الذي تعمل به الشركة وتأثره بالمتغيرات الاقتصادية، إلى جانب التحليل المحاسبي الذي يضمن جودة المعلومات عبر القوائم المالية، ثم التحليل المالي الذي يشمل الربحية والسيولة والديون، والتنبؤ المستقبلي بالأداء المالي.
وخلص إلى أن الوعي الاستثماري ضرورة ملحة، داعيًا المستثمرين إلى الرجوع لتقارير المحللين الماليين المعتمدين لفهم أداء الشركات قبل شراء الأسهم، مشيرًا إلى أن الدراسات في الأسواق العالمية أثبتت أن الثقافة المالية ترفع العوائد الاستثمارية وعدد المشاركين في الأسواق المالية، بما ينعكس على الاقتصاد الوطني.
مصادر جمع البيانات
أوضح الاقتصادي والخبير المالي م. محمد السعود أن تحليل وتقييم حجم السوق المالي للمؤثرين يجري من خلال جمع البيانات من عدة مصادر، أبرزها المنصات الاجتماعية التي يجري فيها رصد عدد المتابعين ومعدل التفاعل وعدد الحملات الترويجية.
إضافة إلى أدوات تحليل مثل HypeAuditor وSocialBlade وKlear، التي تُستخدم لتقدير متوسط أسعار المحتوى المدفوع بحسب القطاع والجمهور والمنصة.
كما تشمل المصادر تقارير السوق والإعلانات الرسمية، إلى جانب بيانات غير مباشرة يجري من خلالها رصد الإنفاق الإعلاني العام واستنتاج حصة المؤثرين منه.
تحديات الوصول إلى بيانات دقيقة

وأشار إلى أن نماذج الإيرادات تختلف بين المؤثرين، وتشمل الإعلانات المدفوعة، والبرامج التشاركية (Affiliate Marketing)، وإطلاق منتجاتهم الخاصة، والحضور المدفوع في الفعاليات، والإيرادات من المنصات مثل يوتيوب، إلى جانب الاستثمارات الخاصة.
ولفت إلى أن كل نموذج له تأثير مختلف على تقدير الدخل الصافي، فالإعلانات تعطي دخلًا عاليًا لكنه غير مستقر، بينما المنتجات الخاصة توفر دخلًا مستقرًا لكنه محفوف بالمخاطر التشغيلية، أما البرامج التشاركية فتعكس التأثير الحقيقي ولكنها أبطأ في النمو.
تقييمات مبالغ فيها

م. محمد السعود - اليوم
وأوضح أن هذا يظهر من خلال ضعف التفاعل مقارنة بعدد المتابعين، وغياب الحملات المتكررة من العلامات نفسها، وكذلك انهيار مشاريع كثيرة رغم الترويج لها من مشاهير، وفي المقابل، هناك مؤثرون أقل شهرة يحققون دخلًا ثابتًا ومستقرًا بفضل ثقة السوق والمحتوى المتخصص الذي يقدمونه.
وحذر السعود من عدة مخاطر اقتصادية ناتجة عن تضخيم دخل المشاهير، أبرزها تشويه تسعير السوق، وتضليل المستثمرين، وفقدان ثقة المعلنين، وتعميق فجوة المصداقية في السوق الرقمي.
ودعا إلى استخدام أدوات التحليل المالي لتقدير الدخل الحقيقي للمؤثرين، وذلك بتحليل التدفقات النقدية المتوقعة، وحساب معدل العائد، وتقدير تكاليف التشغيل، وتحليل الأداء البيعي في حال وجود منتج تجاري.
وفيما يخص المستقبل، توقع السعود استمرار نمو اقتصاد المؤثرين في الخليج، مع دخول تنظيمات رسمية من هيئات الإعلام، وازدياد الاعتماد على مؤشرات الأداء بدلًا من عدد المتابعين، وظهور مؤثرين متخصصين، إلى جانب تطور أدوات تحليل شفافة وإمكانية فرض أنظمة إفصاح ضريبية.
تباين مستويات التأثير

هاشم عبدالله النمر - اليوم
وأوضح أن تحليل وتقييم حجم السوق المالي للمؤثرين يواجه تحديات كبيرة تبدأ من تعريف من هو "المؤثر" أو "المشهور" على منصات التواصل، لأن هؤلاء الأشخاص يتمتعون باتجاهات خاصة في مجالات محددة ولديهم تأثير ملحوظ على جمهور متابع لهم، بناءً على معرفتهم أو رؤيتهم المتخصصة، مشيرًا إلى أن الشهرة لا تعني دائمًا التأثير الفعلي.
تحليل حجم الدخل الاقتصادي
إلى جانب أن أرقام ضريبة القيمة المضافة على دخل المؤثرين لا تعكس بالضرورة القيمة الفعلية، ما يعيق الوصول إلى تقييم دقيق لمداخيلهم.
وأشار إلى أن بعض المنصات توفر تقديرات أقرب إلى الواقع مثل إنستجرام، التي تصنف المؤثرين بناءً على عدد المتابعين ومستوى التفاعل، فيحصل من يمتلك ما بين 50 إلى 100 ألف متابع على دخل يتراوح من 100 إلى 500 دولار لكل منشور.
فيما قد يصل دخل المؤثرين الكبار الذين يتجاوز عدد متابعيهم 500 ألف إلى أكثر من 10 آلاف دولار للمشاركة الواحدة، وقد يتجاوز دخل بعضهم ملايين الدولارات بحسب عدد المتابعين والتفاعل.

نموذج موحد لدخل المؤثرين
وفيما يتعلق بنماذج الإيرادات، أوضح د. هاشم عبدالله النمر أن من الصعب تحديد نموذج موحد لدخل المؤثرين، بسبب تنوع مجالاتهم بين الضيافة والعقارات والصناعة، وهو ما يجعل تصنيفهم ضمن فئة اقتصادية محددة أمرًا معقدًا.
وأضاف أن شركات تحليل بيانات التواصل الاجتماعي أجرت دراسات استقصائية تشير إلى أن دخل المؤثرين يتأثر بنوع المنصة وعدد المتابعين ودرجة التفاعل.
ولفت إلى أن بعض التقارير الاقتصادية قدّرت القيمة السوقية للتسويق عبر المؤثرين عالميًا بـ21.1 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بـ6.5 مليار دولار فقط في 2019، مع توقعات بوصول السوق إلى نحو 138 مليار دولار بحلول 2031، مدفوعًا بزيادة الإنفاق على إعلانات المؤثرين، والذي يتوقع أن يبلغ 117.5 مليون دولار في 2027.
التقييمات الحالية لدخول المشاهير
وعما إذا كانت التقييمات الحالية لدخول المشاهير تعكس القيمة الاقتصادية الحقيقية التي يضيفونها، أكد النمر أن مؤشر الزكاة والضريبة قد يكون أحد أهم المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في قياس الدخل الفعلي، لكنه غير كافٍ ما لم يوضع إطار حوكمي واضح لمهنة المؤثر.
وأكد أهمية أن تُلزم الجهات التي تتعامل مع المؤثرين بتقديم ما يثبت تسجيلهم في نظام ضريبة القيمة المضافة، وذلك للحد من التهرب الضريبي، باعتبار أن دخلهم يمثل نشاطًا اقتصاديًا متكررًا، يُلزم بالتسجيل الضريبي متى ما تجاوزت الإيرادات السنوية 375 ألف ريال.
وأشار إلى أن عدد الشركات الوسيطة العاملة في التسويق عبر المؤثرين بلغ أكثر من 19 ألف شركة على مستوى العالم، وحققت عوائد تجاوزت 10 مليارات دولار، داعيًا إلى لاستفادة من التجارب العالمية، مثل التجربة الصينية التي بلغ فيها عدد المؤثرين المحترفين 15.8 مليون شخص بحجم اقتصاد تجاوز 210 مليارات دولار في 2020، وكذلك التجربة الكورية في استخدام المؤثرين الافتراضيين.
مخاطر تضخيم دخل المؤثرين
أما بخصوص المخاطر الاقتصادية الناتجة عن تضخيم دخل المؤثرين، فأوضح النمر أن تأثير هذه الظاهرة لا يقتصر على الجانب المالي فقط، بل يمتد إلى الأثر الاجتماعي والسياسي، إذ إن بعض المؤثرين يطرحون موضوعات أو يروجون لمنتجات دون مراعاة لحساسيتها المجتمعية، ما يسبب اضطرابًا في الذوق العام وتضليلًا للمتابعين.
ومن الناحية الاقتصادية، أشار إلى أن بعض التقارير كشفت عن تضخم كبير في أسعار المنشورات، إذ ارتفعت قيمة المنشور على فيسبوك من 8 دولارات عام 2004 إلى 395 دولارًا في 2019.
كما ارتفعت قيمة التغريدة على تويتر من 29 دولارًا في 2014 إلى 422 دولارًا في 2019، وتشير التقديرات إلى زيادة لا تقل عن 30% في 2024 مقارنة بالأعوام السابقة.
وأكد أن هذا التضخم في الأسعار قد يؤدي إلى نشوء فقاعات سعرية وتقديرات غير واقعية لا تنعكس في الناتج المحلي الإجمالي ما لم يجري الإفصاح الحقيقي عن الدخل.
توظيف الذكاء الاصطناعي
وفيما يتعلق بأدوات تحليل الدخل، دعا النمر إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتقدير دخل المؤثرين بشكل أكثر دقة، من خلال تطوير خوارزميات متخصصة تعتمد على تحليل بيانات التفاعل والانطباعات ونسب النقر والتحويلات وسلوكيات الجمهور تجاه منشورات المؤثرين.
وأشار إلى أن هذا التحليل قد يوفر نموذجًا أكثر شفافية لتقييم الدخل مقارنة بالأرقام المعلنة أو العقود الجزئية.
وعن التوقعات المستقبلية لاقتصاد المؤثرين، قال النمر إن الظاهرة أصبحت عالمية وتمثل اقتصادًا مستقلًا له خصائصه، لكن لا يزال يعاني ثغرات نظامية تؤدي إلى تهرب غالبية المؤثرين من دفع الضرائب، نتيجة عدم وجود إثبات رسمي للدخل، ما يمنحهم ميزة نسبية غير عادلة في السوق ويؤثر سلبًا على عدالة الأنظمة المالية.
توصيات المختصين
- ضرورة فرض أنظمة محاسبية وضريبية للمؤثرين لضمان الشفافية في السوق.
- اعتماد مؤشرات أداء دقيقة (KPIs) لقياس أثر المؤثرين بدلًا من الاعتماد على عدد المتابعين.
- رفع وعي المستثمرين بعدم اتخاذ قرارات استثمارية بناءً على شهرة رقمية فقط.
- دعم وتعزيز الثقافة المالية لتحسين أداء المستثمرين ورفع العوائد في الأسواق المالية.
- استخدام أدوات تحقق من المتابعين الوهميين قبل التعاقد مع المؤثرين.
- مطالبة المؤثرين بالإفصاح عن عقودهم التجارية لضمان عدالة السوق.
- تجنب التسعير المبالغ فيه للمؤثرين بناءً على تقديرات غير دقيقة للدخل.
- استشارة محللين ماليين مرخصين قبل الاستثمار في المشاريع أو الشركات.
- توجيه الحملات الإعلانية نحو المؤثرين المتخصصين ذوي المحتوى المستدام.
- نشر ثقافة الاستثمار القائم على التحليل المالي والفهم الحقيقي للسوق.
0 تعليق